إلى قدوتي.. إلى من أريد أن ألقاه في جنة نحيا فيها إلى الأبد.. إلى المفكر الجزائري الإسلامي مالك بن نبي
روى لنا بعض المثقفين النزهاء الذين بدى على وجوههم العياء بعد سنوات من السعي وراء التغيير، رووا عن بعض النقاط المهمة التي علقت في حلق مسيرتهم، وعطّلت من مضيّهم، بل وأوقفتهم في مكانهم فخرّوا يائسين.
ويكفي أن من يأس حكى ونصح من لايزال به شحنة أمل في احداث التغيير. فكثير من المثقفين اختاروا طريق الظلام ودفن ما مرّوا عليه الى الابد. أو طريق النور ولكنه نور يخصهم هم فقط، فيصعدون بأنفسهم – ومن حقهم - ، ويتركون الوحل الذين أرادوا أن يجعلوه أرضا معبدة في يوم مضى، لأنه ما باليد حيلة.
وجاءت الحيل هنا وهناك، سواء كانت جملا من كتب ومقالات، أو تصرفات نبيلة في الخفاء أو في العلن لإحداث تغيير ما. وأما عن نجاح الحيل وفشلها فالحديث طويل وعريض.
القلة مسؤولة عن الكل
قد ينتج عن تسمية فلان بالمثقف تكليفه مسؤولية كبيرة، قد تكون غير مرئية على ورق، ومهامه لم يكلفه بها مسؤول أعلى منه – والعالي ربي – ، إلا أن الكل يذكره وأمثاله شكرا أو تأنيبا على حال الثقافة وتغييره.
فباتت ناصية الثقافة متوقفة على سلوك القلة المثقفين، فإذا حللنا الموقف لوجدناه علاقة استلزام، أولها عقلية وسلوك المثقف، وآخرها الواجهة الثقافية.
ولعل هذا يعكس الواقع الحقيقي، وزيف المثقفين – للأسف – الذين اتخذوا من الثقافة مناصبا لكسب الرزق لاغير، فتجردت الثقافة من صفتها العقلية المعنوية السامية الأهداف كما قال المفكر الجزائري الإسلامي مالك بن نبي – رحمه الله - : " الثقافة هي الجسر الذي يعبره الناس إلى الرقي والتمدن "، تتجرد من ذلك لتصبح جمعًا من الأشياء المادية، كالبذلة والكرسي والراتب وغيره من الأهواء الشخصية العفنة.
ولما تترأس هذه الفئة الخاطئة المبادئ والأهداف الثقافة، ستقوم تدريجيا بجذب أمثالها، وجعل المثقفين الحقيقيين ينفرون لا محالة من مجالسهم المليئة بالزيف والمرتكزة على مستوى متدني من الأفكار والنصوص وغيره. وهنا تبدأ مسيرة السوس الذي ينخر عظم الثقافة.
فإذا وجد المضاد توقف، وإن لم يجد فيستمر حتى أفول الثقافة فيصبح من الصعوبة إحياؤها من جديد.
التحالف الفكري
لعل اجتياح التكنولوجيا التي سخرها الغرب في مراقبتنا والتشويش على قيمنا، أصبحت السبب الرئيسي في تصحيح المفاهيم ،وتقريب العقليات النظيفة الساعية إلى التغيير من بعضها البعض. فجعلت التكنولوجيا شعبا صامتا كالشعب التونسي ينتفض ليس فقط على رئيسه بل على عدو أكبر وهو الخوف، كما ملأت تلك التكنولوجيا ميدان التحرير بالملايين.
كذلك تفعل هي الآن، تحرك الرواسب في كل مكان بفضل الله عز وجل، وفضل جمع من المثقفين وجدوا أمثالهم ووجدوا منفذا.
وإنها لسبيل عجيب يطور الأفكار، ويلحم تلك المتوافقة منها معًا، لذلك وجب استغلال هذه النقطة أحسن استغلال، بل والتركيز عليها، فتوافق الأفكار ثم تلاحمها يعتبر تحالفا، يشبه تحالف الشركات إلا أنه تحالف فكري.
ومفهوم تحالف الشركات يتمثل في تعاقد شركة غربية مثلا مع مؤسسة وطنية لتحقيق أهداف متعددة لكلتيهما، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالشركة الغربية تختار المؤسسة التي ستقوم معها بتحالف اختيارا دقيقا وذكيا، فتختار مؤسسة تتميز بالريادة على المستوى الوطني، المنافِسة، التي تمتلك خبرة مع الإدارة فتوفر على الشركة القادمة عناء البيروقراطية والعراقيل وغيرها.
وبالتالي لما تتحالف تلك الشركة مع مؤسسة بهذه المواصفات، تكون قد ضربت عدة عصافير بحجر واحد، فهي امتلكت في جهتها منافسا محليا، كما وفرت بناء مصنع جديد وفروع وغيرها ،وأيضا تعاونت مع مؤسسة تتوافق معها سواء في الأصول أم في مجال العمل، أي أنها قد توسع من نطاق عملها ونفذوها، أو تسعى للتنويع والتجديد.
كذلك بالنسبة للتحالف الفكري، فيمكن لصاحب فكرة ما، أن يجد آخر يكمّل فكرته ولما لا يحسّنها.
وكإسقاط على مفهوم التحالف أعلاه، يمكن للمثقف صاحب الفكرة كذلك أن يقوم بإختيار المثقف الآخر المكمّل لفكرته اختيارا ذكيا، فمن غير المعقول أن يتوافق اشتراكي متعصب مع ليبيرالي متحرر على انجار مشروع ما، كما لا يمكن أن يتفق محب الفكر والمطالعة مع رجل غير مبالي ومبتعد كل البعد عن الأدب على إنجاز مكتبة خيرية للمطالعة، فالأول يراها فكرة سامية والثاني يراها تفاهة وتضييع وقت، كان من الممكن أن يكسب فيه الكثير من المال عن طريق مشروع آخر.
إذن فاختيار الحليف الفكري يعتبر أول خطوة لإحداث تغيير ما في إطار التحالف الفكري.
وكتكملة للإسقاط، فبعد اختيار الشركة للمؤسسة، تأتي مرحلة التعاقد وهنا يحاول الطرفان التفاوض للوصول إلى حلول ترضي كليهما. وأما عن التحالف الفكري فهذه المرحلة مفادها كيفية التوافق، وتعديل الأفكار بما يسمح للوصول إلى التفاهم.
وقد تكون هذه المرحلة أصعب المراحل التي يمر عليها التحالف الفكري، نظرا للعديد من العقليات العنيدة المتمسكة بأفكارها كما هي، وعدم رغبتها بتاتا في إحداث تغيير عليها. فإذا رفض أحد الأطراف التعديل أو التخلي عن نقطة معينة، قد يتوقف التحالف في هذه النقطة وبالتالي فشله لا محالة.
وأما عدم توقفه، فهذا يعني تلاحم وتحالف الأفكار لتحقيق هدف ما، سواء كان ثورة ، أو تصحيح مسار ثورة ..الخ
التحالف الفكري هدف قبل أن يكون وسيلة
وقد يكون هذا التحالف غير مرئي، إلا أنه ساري المفعول في كل بقعة يحصل فيها تعاقد أو اتفاق، وعلى المثقفين أن يعووا بأن هذا النوع من التحالف متوقف على إرادتهم في إحداث التغيير، فلن يأتي التحالف من تشتت الأفكار والنوايا، وتبعثر الأهداف و تضاد المصالح بطريقة تلغي الحاضر والآتي. بل يأتي بعطاء وتعاون فكري، تعكس متانته الإلحاح على المضي إلى الأمام.